وفي أربعينيات القرن العشرين كانت القاهرة تضم حوالي 300 محل لماسحي الأحذية في الميادين والشوارع الرئيسية والمناطق التجارية، وعلى الرغم من أن البعض آنذاك، رأى أن المهنة سرعان ما ستتلاشى ثبت عكس ذلك، حيث استمرت وانتشرت فأصبحت مهنة من لا مهنة له، من العاطلين وصغار السن من أبناء الفقراء.ونجد راهنا انتشارا كبيرا لماسحي الأحذية في جميع أنحاء القاهرة، واللافت في هذا الصدد أن لديهم أماكن ومحالا خاصة تتركز في قلب العاصمة القاهرة، فضلا عن المحافظات الأخرى. تمسح يا بيه؟تمر عليه أو يمر عليك، إذ إن أغلبية ماسحي الأحذية يجولون طوال الوقت في مختلف الشوارع والمناطق، وأينما تتوجه أو تجلس في مقهى أو كافتيريا، أو حين تدخل إلى مطعم أو كازينو.
أو تمشي في شارع رئيسي أو فرعي، ستصادف من يحمل على ظهره صندوقا خشبيا يوجد على أحد جانبيه زجاجات الصبغة، ويحوي في داخله عدة التلميع وعلب «الورنيش» وفوطا عديدة لاستخدامات متنوعة. وهنا لا يتوانى لينادي عليك: «تمسح يا بيه» أو «تلمع يا باشا»، وسرعان ما ينحني مادا كرسيا خشبيا صغيرا يضعه تحت قدميك، أو «شبشبا» بلاستيكا، أو كرتونة ورقية، فيلتقط الحذاء وينزوي به في أحد الأركان القريبة، ليبدأ في طلائه.إن البعض من ماسحي الأحذية هؤلاء يتخذ من أماكن محددة في الميادين العامة، محلا لعمله، وهكذا يلفتك وأنت تمر بهم صوت خبط غير المشغول منهم، بالظهر الخشبي لفرشاته على الصندوق القائم أمامه، قاصدا بهذا لفت انتباهك لسؤاله المرمز، والذي فحواه: «تلمع يا بيه»، فإذا وافقت، عليك رفع حذائك على قاعدة الصندوق الخشبي، والتي تأخذ شكل نعل الحذاء، وعندئذ يبدأ هو في عمله.
يمتد حضور مهنة ماسح الأحذية في مختلف البلدان العربية والإسلامية، إلى سنوات كثيرة خلت، وهو ويتجلى حاليا، بشكل كبير، في شوارع وميادين العواصم الكبرى، مثل:القاهرة، دمشق، بغداد، بيروت، تونس المغرب، وغيرها الكثير.
كما أن النسبة الغالبة من المشتغلين في هذه المهنة هم من الأطفال وكبار السن، والميزة المهمة هي أن رأس مال هذه المهنة بسيط جدا، وهي أيضا لا تحتاج إلى أي مهارات نوعية، حتى ليطلق عليها مهنة من لا مهنة له، لكنها في الوقت نفسه مهنة تدر مبلغا لا بأس به، فأسعار تلميع الحذاء تتراوح في مصر مثلا، ما بين جنيه واثنين، وفي الوقت نفسه هي لا تكلف شيئا، وهذا يعني أن تلميع عشرة أحذية يمكن أن يدر عشرة جنيهات.
رغم ظهور أدوات متقدمة للتلميع وتنظيف الحذاء من ما يعلق به من أتربة، تفيد في إتاحة القدرة على الاستغناء عن «البويجي»، نجد أن هذه المهنة لم تنقرض، لا بل أخذت تزداد انتشارا.
إذا مررت يوما ما بجوار أحدهم ونظرت الى حذائك وأردت تلميعه عند ماسح الأحذية، فاعلم ياصديقي العزيز أن من ستمد له رجلك ليمسح أوساخ حذائك أنه إنسان مثلك، قهرته الظروف في مجتمع لا يرحم وواقع مرير ووطن مسروق أنتج لنا أناسا في الهامش البعيد جدا، لا أحد يكترث بهم وكأنهم من خارج الزمن!
قبل أن تمد رجلك لماسح الأحذية فكر ألف مرة، ثم فكر في الظروف أللإنسانية التي جعلت منه ماسح أحذية، وجردته من كرامته الإنسانية. فهي نفس الظروف التي قد تسقط فيها أنت يوما ما، أوغدا ابنك، أو أحد أبناء أبناءك... ومن يدري فقد تكون هي نفس الظروف البئيسة التي داست كرامة أحد أبائك و أنت لا تدري؟!!
ما سبب هذه النظرة لهؤلاء الأشخاص ؟؟
ألا يحق لهم الأحساس بكرامة ما يقومون به ؟؟
ألا تحس في قرارة نفسك أنه على أولئك الذين يمدون أرجلهم للماسح تغيير سلوكم هذا ؟؟
لماذا لا يجلس جنبه و يخلع حذائه إلى أن يتم مسحه ؟؟
لماذا ولماذا ...؟؟؟
0 التعليقات:
إرسال تعليق