بائع البطاطا

(معسلة يا بطاطا) نداء شهير رافق هذه المهنة دائما.. بلا ابتكارات ولا إضافات .....


بائع البطاطا يبيع الدفء قبل أي شيء.. على ورق كتب قديمة، لم يعد أحد مهتما بقراءتها، وفي العادة تكون كتبا مدرسية، يبيعك «حبة بطاطا» ساخنة.. بعد أن يشقها طوليا بسكين، وتتفجر بلونها البرتقالي المشرّب بحمرة شهية، تذكرك بإشراقة شمس شتوية رائقة، يلفها بابتسامة واثقة في ظهر الورقة الأبيض، خوفا من أن تلوثها أحبار الطباعة، ومع أول قضمة، يسري الدفء في أوصال جمدها البرد القارس في الأمسيات الشتوية، أو الصباحات المبكرة.

حول فرنه الصاج، بشكله الاسطواني المميز، ومدخنته الصغيرة؛ يتحلق زبائنه طمعا في دفء يبثه الفرن الذي يوقده بقطع خشبية كانت في الأغلب تستخدم في عمليات البناء، يدفع بها عبر باب جانبي صغير ليؤجج ناره، بينما يضع الحبات الناضجة فوقه، ليحافظ على سخونتها.



يثبت الفرن في الركن الأيمن فوق عربة خشبية تدفع باليد، وربما دون سبب واضح لا يشذ عن هذه القاعدة أحد من باعة البطاطا، بينما تنشر على سطح العربة درنات البطاطا في انتظار دورها، لتدخل من باب الفرن الضيق المفتوح على باب الرزق الواسع.. و«تساهيل ربنا»، و«الدفا عفا»؛ يعني صحة وعافية .
وتبدو هذه العربات وسط هذه الأجواء وكأنها متاريس اعتاد أبناء المحروسة على الاحتماء بها من لسعة البرد، خاصة في شهر طوبة الذي اختصته المخيلة الشعبية بمثل شعبي شهير.. «طوبة يخلي الصَّبيَّة كركوبة (عجوز)»، وهم الذين أدمنوا السهر، فعرفت عاصمتهم بالمدينة التي لا تنام.
الاختلاف في نوعية الزبون يؤثر بالأساس على الأسعار، فزبون الصباح الذي يرغب في إفطار سريع، أو حتى تحلية بعد إفطاره، أكثر حساسية تجاه المبالغة في السعر، على العكس من زبون الليل الذي يخرج من أجل الترفيه، وهو ما يجعله لا يتوقف كثيرا أمام المبالغات. زبون الصباح لا يقبل شراء حبة البطاطا بأكثر من نصف جنيه، إن كانت متوسطة الحجم، لكنه قد يدفع فيها جنيها كاملا في المساء.
وكل هذا ما جعل هذه المهنة حتى يومنا هذا تقاوم الانقراض .

0 التعليقات:

إرسال تعليق

 

المتابعون